الاثنين، 24 مايو 2010

قصة : فى المرة القادمة

فى المرة القادمة

كل يوم , أنظر !لى وجهى فى المرآة , مازال صافيا .
لكن أصابه الأرق .
أدخل .
أفتح النافذة , أطل على الباعة الجائلين , ينصرفون , مهزومين , لأن لا أحد يريد الشراء .
أنادى :
صوتى يذهب أدراج الرياح .
أردد داخلى , فى المرة القادمة سوف أرفع صوتى لأبعد حد ؟ لعل الكون يسمعنى , وتحط الطيور على نافذتى , فاأخذها بين أحضانى , وأمرر يدى على ريشها الناعم .
وربما تنبت لى أجنحة كثيرة , فأطير مع الطائرين وأحلق مع المحلقين .
ولكن أعود .
أنظر فى المرآة ثانية , أرى قطارا بازغا من رأسى , وامرأة ممددة فى عربة الحريم , تمد ساقيها المتعبتين , المهروستين من الألم .
ويأتى !ليها شابا طويلا , نحيلا , يشبه القديسين , يجلس أمامها صامتا , كاسرا قانون المرور , قال وهو يجلس أمامها , أقصد جوارها : " العربات الأخرى خانقة , وهنا ربما أستريح ! "
قالت : لأنه بداية الحلم .
قرر الرجل الجالس جوارها أن يمد يده ويحتضنها , ولكنه قال فى نفسه : ربما تظننى متطفلا .
ولكن فى المرة القادمة سوف أمد يدى وأمسح دموعها .
وأمد ذراعى تريح عليه رأسها .
وأعطيها قلبى رغيفا طازجا .
وكذلك المرأة , عندما أدارت رأسها , قالت : سوف أمد يدى ألتقط حبات العرق , وأمد ذراعى وأحتضن خصرة , وقلبى مهد لحبه .

ولكن القطار توقف .
ونزلت المرأة .
ونزل الرجل .
ونسيا أن يقول كل منهما للآخر ما بداخله , وماذا يريدان ؟
وعادت هى !لى مرآتها , تنظر !لى وجهها , وتردد : فى المرة القادمة عندما ألقاه سوف أأخذه بقوة .
وكذلك هو أدار مفتاح بابه , ودخل , وقال: فى المرة القادمة عندما أراها سوف أأخذها بعنف , وأأخذ قلبها .
وقابلها .
وأخذها .
وتركها .
وقالت هى : كيف اسلم له بسهولة , هذا الساحر الذى مسنى بسحره , فصار جسدى جحيما يتخبط فى أمواجه , أغوانى بشياطينه , وشعره , وجنياته التى يخبئها فى صدره .
وكلما أقتربت منهن نهرنى بشدة , وأبعدنى !لى آخر حدود المعرفة .
وقال لى : يكفيكى أن ترى , ولكن لا تلمسى ما ترينه .
فى المرة القادمة , سأدعوه !لى العشاء , فى مطعم فخم , وأصر على دفع الحساب مهما شعر من مهانة , أو غضاضة .
هو فتح يديه لمس بفمه أطراف أصابعها , فسحبها , وأجلسها !لى جواره على الرصيف , وأشار لها أن ترى المارة جيدا , وأن تبحث بداخلها عن معنى مختلف للحب , وأن تنصت للموسيقى بداخله .

قالت : سوف أجعلك تندم !ذا تركتنى !
تبسم وجذب يديها !ليه وقال : لن أتركك.

وفى هذه الليلة هبت نسمات باردة , جعلت أطرافها تتجمد حتى الصقيع .
ذهبت !لى بيتها , وفتحت النافذة على آخرها , ودخلت الريح تحمل موسيقاه الصاخبة والقوية .
وظلت تطل عليه وهو يعبر الشارع منفردا , ويعزف لحنا بصفيره الذى جعل الريح تهب حوله , وأبتعد مختفيا فى شفافية مزهلة .
قالت فى نفسها : هذا الجنى يريد أن يرهبنى  بخوارقه وشياطينه , وهو لم يعرف بعد خوارق المرأة !ذا هبت , خرجت وراءه تتبعه , وهى تجمع الريح من حوله , فصار روحا منفلتة منها .
عادت وفتحت الباب , وأغلقته بعنف , وقالت : والله فى المرة القادمة لا سوف أسحره , سأجعله ضفدعا يقفز , أو ربما أميته , أهرسه , أطفئ نارى بناره !!!!
آتى !ليها من ثقب الباب .
فتحولت سمكة طازجة , أخذها وتلذذ بها , ثم تجشأ وأخرجها محارة , وتركها منزوية على نفسها  فى ركن الحجرة , وخرج .
قالت : هو مارد .
أو ربما يكون عفريتا من الجن , فى أصابعه لذة مفرطة , تجعلنى محارة رطبة , صامتة .
!ذن سوف أستعين بقوة ذاكرتى , وأستعيد بداخلى كل الأمهات السابقات .

ورحلت تبحث عنه .
وجدته واقفا على طرف نهر صغير , يمد شباكه . نزلت بهدوء , وألقت بنفسها داخل الشبكة . سحبها , متباطأ , وأخرجها سمكة متوحشة , خاف منها وتركها على الشط .
وعاد !لى ثلجه , !لى برودته , !لى كوخه البعيد .
ولكنها سارت وراءه , تتبعه , لتهرس قلبه , وزحفت !لى أن دخلت بيته .
كان نائما , ممددا فى استرخاء .
جمعت شجاعتها , ولمسته فى شفتيه , وصبت توحشها داخله .
صحا من نومه , رأى امرأة جميلة نائمة , ذهبت القشور عنها , وذيلها أختفى .
قال فى نفسه : فى المرة القادمة لن أخدعها ثانية , وضمها لصدره .
ولكن عندما استيقظت , كانت الشمس قد أذابت الكوخ وجف حلقها , فزحفت !لى الماء ثانية , وتركته يعطش وحده .
وقالت : فى المرة القادمة سوف أذيب هذا الجليد الذى بداخله , وأروية .. أروية من قلبى !لى أن يشبع , وتشبع الصحراء التى بداخله , وتنبت الأشجار , وتزهر الورود .
ولكن أنا محتاجة أن أثق فى نفسى أكثر من هذا , ولذا فى المرة القادمة سوف أمد يدى !لى قلبه وأنزعه بقوةوشجاعة .
وعندما أتى .
وضعت المرأة يدها على صدره , وقالت يارب بقوة الحب , أعنى على نزع قلبه , وزرع قلبى مكانه . وهى تفعل ذلك .
مد يده على يدها وسمعته يقول : يارب أعنها على نزع قلبى وزرع قلبها .
وبعدها خرج .
قالت المرأة صارخة : !ن الشيطان يقف أمامى دائما , لذا سوف أهزمه , وفى المرة القادمة سوف أحضر معى مدية , وأنزع بها صخرة قلبه .
وعندما خرج هو من عندها فاقدا قلبه .
وجد أنه صار يشعر بمشاعر جديدة .
يحن !لى جسد تركه وحيدا فى غرفته .
فعاد مسرعا كى يرد القلب .
كانت المرأة المتوحشة تختفى وراء الباب وبيدها المدية , وعندما رأته قادما , عاجلته بضربة قوية .
أخرجت قلبه .
فأخذته سريعا ساخنا , ووضعته فى جسدها , فصارت حزينة أبدية , لأنها رجعت !لى توحشها .
وسقط هو على الأرض جثة , وقلبه ينبض جواره .
بكى الرجل وقال : ليتنى اعطيتها قلبى من قبل , ولم أمت .
وبكت المرأة وقالت : ليتنى ما قتلته , ربما فى يوم ما كان يحبنى فى المرة القادمة .

فصل من رواية عطية الشمس

  (عطية الشمس)  رواية صفاء عبد المنعم -----------------------   إهداء إلى/ أبطال رواية من حلاوة الروح --------------------------...

المتابعون